شبكة النّبأ
بعد توقّف القصف الإسرائيلي لغزّة تأتي مُذكّرات موشي شاريت رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق لتكشف أن قادة إسرائيل عام 1955 ثبت لهم أن إحتلال غزّة لن يحل أي مشكلة أمنية، وأن الدّولة العبرية قامت على مبدأ القوّة التي تضمن لها درجة من التّوتّر من خلال إفتعال حرب مع أي طرف عربي.
الكاتبة الإسرائيلية ليفيا روكاش، تقول في دراستها لمذكّرات شاريت، الذي كان أول وزير خارجية إسرائيلي أنّ "الخطر العربي أسطورة إخترعتها إسرائيل لأسباب داخلية.. ولم تستطع النّظم العربية إنكارها تماما رغم أنها كانت على الدّوام في خوف من إستعدادات إسرائيل لحرب جديدة". مضيفة أن إحتلال غزّة وشبه جزيرة سيناء المصرية كان على " أجندة" القادة في إسرائيل التي تستمدّ قدرتها على البقاء من "خلق الأخطار" و"إختراع" الحروب على حدّ قول شاريت.
وتعرّضت غزّة منذ يوم 27 ديسمبر كانون الاول 2008 لغارات جوية إسرائيلية وفي الأسبوع التّالي بدأت إسرائيل هجوما برّيا وإستمر القصف المدمّر 22 يوما وأودى بحياة نحو 1300 فلسطيني بينهم 410 على الأقل من الأطفال وأصيب نحو 5300 شخص بينهم 1631 طفلا. وأعلنت إسرائيل أن عشرة من جنودها إضافة الى ثلاثة مدنيين قتلوا بنيران صواريخ حركة حماس.
وتقول روكاش في كتابها (إرهاب اسرائيل المُقدّس.. من مذكرات موشي شاريت) إنّ أمن إسرائيل يبقى ذريعة رسمية للدولة العبرية والولايات المتّحدة لإنكار "حقّ الشّعب الفلسطيني في تقرير مصيره في وطنه... تمّ قبول تلك الذّريعة كتفسير شرعي لإنتهاك إسرائيل للقرارات الدّولية التي تدعو الى عودة الشّعب الفلسطيني الى وطنه" وأنّ من تصفهم بالقتلة الإسرائيليين يمارسون "منهج طرد وابادة" ولا يتردّدون في التّضحية بأرواح يهودية لضمان وجود درجة من الاستفزاز تبرر العمليات الانتقامية التالية.
وصدر الكتاب في القاهرة عن مكتبة الشّروق الدّولية في 143 صفحة كبيرة القطع وترجمته الى العربية ليلى حافظ وقال المفكّر الأمريكي ناعوم تشومسكي في مقدّمته أنّ بين إسرائيل والولايات المتّحدة "علاقة خاصة... يمكن أن نقيسها بتدفّق رأس المال والأسلحة أو بالدّعم الدبلوماسي أو بالعمليات المشتركة" حيث تتحرك إسرائيل للدّفاع عن المصالح الأمريكية في الشرق الاوسط. بحسب رويترز.
وأضاف تشومسكي اليهودي المعارض لسياسة كلّ من أمريكا وإسرائيل أن مذكّرات شاريت الذي يعتبره معتدلا "تعتبر بما لا يدعو للشّك مصدرا وثائقيا أساسيا" وأنها تبقى خارج التاريخ الرّسمي الإسرائيلي.
ولد شاريت عام 1894 في روسيا وهاجر مع عائلته الى فلسطين عام 1906 ودرس الإقتصاد في لندن وأصبح عام 1933 رئيسا للقسم السّياسي في الوكالة اليهودية وبعد إعلان قيام إسرائيل على عجل عام 1948 وإسراع القوى الكبرى للإعتراف بها تولّى وزارة الخارجية حتى عام 1956 حيث كان دافيد بن جوريون أول رئيس للوزراء ثم أصبح شاريت رئيسا للوزراء عامي 1954 و1955. ويومياته التي تبلغ 2400 صفحة تقع في ثمانية مجلّدات وتغطّي الفترة من 1953 حتّى نوفمبر تشرين الثاني 1956.
وتقول روكاش أن عائلة شاريت تعرّضت "لضغوط هائلة" لمنع نشر يومياته حيث كان بين "الزعيمين الصهيونيين" شاريت وبن جوريون صراع أدّى إلى "طرد" الأول من الحكومة عام 1956 نظرا لمعارضته "أعمال التحرّش المستمرّة" من جانب إسرائيل بجيرانها لدفعهم إلى مواجهة عسكرية كان قادة الدولة العبرية "على يقين بأنّهم سينتصرون فيها... إعتبر تصفية وجوده (شاريت) المعارض مسألة ضرورية من أجل تحقيق مخطّط الزّعامة الإسرائيلية السياسية والعسكرية الإجرامية والمصابة بجنون العظمة."
ويقول شاريت في أكتوبر تشرين الاول 1953 أنّ قادة إسرائيل كان لديهم إستعدادا لإحتلال سيناء لكنّهم أُصيبوا بخيبة أمل لأنّ المصريين لم يسهّلوا مُهمّة الاحتلال "من خلال تحدّ مستفزّ" وأنّهم حين يرتكبون "مجزرة بشعة" يسعون لإختراع عملية مثيرة تالية لصرف إنتباه العالم عن العملية الأولى.
ويسجّل في فبراير شباط 1954 أن بن جوريون إتّهمه بعدم الجرأة لإعتراضه على دفع الموارنة في لبنان "إلى إعلان قيام دولة مسيحية في لبنان... لبنان أضعف حلقة في جامعة الدّول العربية... مصر هي أكثر الدّول العربية إحكاما وصلابة" على حد وصف بن جوريون لشاريت في خطاب أرسله اليه.
لكنّ شاريت الذي يوصف بالمعتدل ردّ على بن جوريون معتبرا إعلان دولة مسيحية في لبنان "في الظّروف الحالية... ستعتبر مضاربة غير محسوبة... لصالح مميّزات تكتيكية مؤقّتة لإسرائيل" لكنّه لم يرفض المبدأ إلاّ لأنّه في تلك الظّروف "مغامرة مجنونة" سوف تسبّب "لنا" خسارة. وتعلِّق روكاش قائلة ان لإسرائيل طموحا قديما "لتقسيم لبنان وفصله عن العالم العربي."
ويقول شاريت إنّ إسرائيل تهدف دائما الى "تفجير حرب" ضمانا لتصعيد التوتر وان العمليات "الإنتقامية" التي تقول المؤلفة أنّها تعني حاليا "الإرهابية" تكتسب في الجيش الإسرائيلي قيمة معنوية تصل إلى " مستوى المبدأ المقدّس" وخاصّة في فرقة كان يتولاّها في الخمسينيات أرييل شارون رئيس الوزراء السابق.
ويضيف أن فرقة شارون أصبحت أداة إنتقام في يد الدّولة وأنه بعد مذبحة كفر قاسم التي أودت بحياة 48 مدنيا عربيا عام 1956 بينهم أكثر من 20 طفلا وإمرأة توصّل المسؤولون إلى نتيجة "أن الدّم العربي يمكن سفكه بحرّية".
ويسجّل شاريت أن "الحرب مع مصر ظلّت الطّموح الأكبر للمؤسّسة الأمنية الإسرائيلية" التي كانت مستعدّة لذلك في يناير كانون الثّاني 1954 وأن الرّئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر كان "يؤمن بالتّعايش ويعرف أن المفاوضات سوف تبدأ يوما ما " لكنّ الهجوم الإسرائيلي على غزّة عام 1955 أنهى أيّ تفاهم بين الطرفين.
ويعترف شاريت في مارس اذار 1955 بأهميّة أن تقبل إسرائيل حدودها 1948 "من أجل السّلام.. إحتلال قطاع غزّة لن يحلّ مشكلة أمنية حيث أنّ اللاّجئين (الفلسطينيين) سيظلّون يمثّلون المشكلة نفسها."
كما يسجل أن إسرائيل باختطافها طائرة مدنية سورية في ديسمبر كانون الأول 1954 قامت بقرصنة جوّية "غير مسبوقة في العالم كلّه.. في تاريخ الممارسات الدّولية... يبدو أنّهم إفترضوا أن دولة إسرائيل يمكنها أو يجب عليها أن تتصرّف في مملكة العلاقات الدّولية بناء على قوانين الغاب."
ويقول أنّ عودة بن جوريون لرئاسة الوّزراء في نهاية 1955 تزامنت مع رغبة أمريكا التي كانت "مهتمّة بإسقاط نظام عبد الناصر" فأعطت إسرائيل الضوء الأخضر للقيام بغزو مصر "لقد لعبوا بالنّار".
وتعلّق المؤلّفة على إشتراك إسرائيل في العدوان الثّلاثي البريطاني- الفرنسي- الإسرائيلي على مصر عام 1956 قائلة أنّ مشاركة إسرائيل في "الجريمة" أثبتت أنّها قادرة على خدمة سياسات القوى الغربية في المنطقة وإنّ "الصّهيونية التي قامت على أساس نزع الصّفة الفلسطينية عن فلسطين هي في جوهرها عنصرية وغير أخلاقية".
وتخلص إلى أن يوميات شاريت "مدمّرة للدّعاية الصّهيوينة... تفسّر لماذا لم يكن ممكنا أبدا ظهور صهيونية يمكن أن نصفها بأنّها معتدلة وكيف تنتهي دائما بالفشل... تشرّبت الدّولة بمبادئ الإرهاب المقدّس ضدّ المجتمعات العربية التي تحيط بها" بحيث لم يعد ممكنا تحرير الصّهيونية من الدّاخل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق