غزّة – منير أبو رزق
على مائدة الإفطار جلس عيسى إبن الخامسة تاركا بينه وبين والدته مقعدا فارغا مزيّنا بإكليل من الورد تتوسّطه صورة الشّهيد فارس عودة إبن الرّابعة عشرة.
وكانت العائلة المكوّنة من ستّة أفراد تنتظر مدفع الإفطار وهي تمعن النظر باتجاه مقعد فارس.. كانوا جميعا يعتقدون أنّه جالس معهم على مائدة الإفطار بينما كان عيسى وهو أصغرهم يدرك عكس ذلك وإلاّ لكان ملأ الدنيا ضحكا وضجيجا بمداعبات فارس.
كانت أنغام عودة والدة فارس والملقّبة "بأمّ السعيد" تكابر أمام أولادها فتخبئ دمعا في عينين ذابلتين وألما في قلب كسير وتطلب من طفلها عيسى ترديد أغنية فارس المفضّلة التي طالما ردّداها معا.
" لو كسروا عظامي مش خايف.. لو هدّوا البيت مش خايف ".. كان عيسى يردّد أنشودة فارس بطلاقة لا تتناسب مع صغر سنّه وإن عجز لسانه بفعل الدّموع التي كادت تخنقه في إكمال الأنشودة حتى نهايتها.
تلك الأنشودة غناها فارس وهو يمارس هوايته المحبّبة في الدّبكة الشّعبية أمام طلبة المدرسة قبل إستشهاده بساعة واحدة ثم جسّدها بدمه عندما وقف تلك الوقفة التي أذهلت العالم على بعد أمتار معدودة من الدبّابة الإسرائيلية غير عابئ بحمم نيرانها .
كان فارس طفلا عاديا يحبّ السّبانغ ولحم الحبش يعشق الدّبكة الشعبية ودروس الرّياضة والدّين إلى أن إستشهد إبن خالته "شادي" برصاص الاحتلال على معبر المنطار.. فعندها تحوّلت حياته إلى حزن يلفّه حنين إلى لقاء من فقده.. تقول والدته: "قبل يوم من إستشهاده شاهدت صورته في التّلفزيون وهو يقفز أمام الدّبّابة وطلبت منه ألاّ يكرّر ذلك وإلاّ تعرّض لضرب والده وقطع مصروف المدرسة عنه .
ولأن فارس لا يستطيع بحكم تربيته الكذب على والدته فقد قال أن إبن خالته الشّهيد شادي أتاه في الحلم وطلب منه الإنتقام وهو نفس الحلم الذي أتى والدته في إحدى اللّيالي عندما خرج إليها الشّهيد شادي في المنام وطلب منها أن تسمح لفارس
بالذّهاب الى معبر المنطار.
وعن ذلك تقول أمّ السعيد: "لم أكن خرجت بعد من صدمة فقداني ابن أختي الشّهيد "شادي" ولذلك كنت أتوسّل له ألاّ يذهب إلى المنطار وأحيانا كثيرة كنت ألحق به إلى هناك وأعيده الى المنزل".
وصباح الخميس الموافق التّاسع من تشرين الثّاني أعيد فارس إلى والدته شهيدا برصاصة من نوع 500 قطعت معظم شرايينه وأوردة رقبته.
ففي ذلك الصّباح خرج فارس مبكّرا من منزله يحمل بيده مقلاعا بعد أن جهّز لنفسه إكليلا من الزّهور زينه بصورته وبعبارة خطّها بيده "الشّهيد البطل فارس عودة ".
يقول صديقة رامي بكر: كنت أنتظره ككلّ صباح للذّهاب إلى المدرسة فكان على غير عادته معطّرا يحمل إكليلا من الورد أخذه من بيت عزاء إبن خالته الشّهيد شادي وقال لي ساعدني لكي أعلّق الإكليل على باب المنزل .
في معبر المنطار يقول رامي أن فارس كان يتعمّد تحدّي الدّبّابة والإقتراب منها وأحيانا كان يقوم بممارسة هوايته في الدّبكة الشّعبية على بعد أمتار قليلة منها. وعندما سألناه لماذا يفعل ذلك كان يجيب بأغنية "لو كسروا عظامي مش خايف ولو هدّوا البيت مش خايف ".
ترجّل الفارس بعد أن سجّل للتاريخ صورة طفل تحدّى بعظامه ولحمه الطري دبّابة.. ترجّل الفارس ولا تزال الصورة تنطلق بأشياء وأشياء.. دم وعظام تقفز من أسرّتها ومن بين ألعابها لتقاوم دبّابة.. ترجّل فارس وظلّ عيسى يردّد من بعده بجانب مقعده الفارغ على مائدة رمضان "لو كسروا عظامي مش خايف.. ولو هدّوا البيت مش خايف ".
على مائدة الإفطار جلس عيسى إبن الخامسة تاركا بينه وبين والدته مقعدا فارغا مزيّنا بإكليل من الورد تتوسّطه صورة الشّهيد فارس عودة إبن الرّابعة عشرة.
وكانت العائلة المكوّنة من ستّة أفراد تنتظر مدفع الإفطار وهي تمعن النظر باتجاه مقعد فارس.. كانوا جميعا يعتقدون أنّه جالس معهم على مائدة الإفطار بينما كان عيسى وهو أصغرهم يدرك عكس ذلك وإلاّ لكان ملأ الدنيا ضحكا وضجيجا بمداعبات فارس.
كانت أنغام عودة والدة فارس والملقّبة "بأمّ السعيد" تكابر أمام أولادها فتخبئ دمعا في عينين ذابلتين وألما في قلب كسير وتطلب من طفلها عيسى ترديد أغنية فارس المفضّلة التي طالما ردّداها معا.
" لو كسروا عظامي مش خايف.. لو هدّوا البيت مش خايف ".. كان عيسى يردّد أنشودة فارس بطلاقة لا تتناسب مع صغر سنّه وإن عجز لسانه بفعل الدّموع التي كادت تخنقه في إكمال الأنشودة حتى نهايتها.
تلك الأنشودة غناها فارس وهو يمارس هوايته المحبّبة في الدّبكة الشّعبية أمام طلبة المدرسة قبل إستشهاده بساعة واحدة ثم جسّدها بدمه عندما وقف تلك الوقفة التي أذهلت العالم على بعد أمتار معدودة من الدبّابة الإسرائيلية غير عابئ بحمم نيرانها .
كان فارس طفلا عاديا يحبّ السّبانغ ولحم الحبش يعشق الدّبكة الشعبية ودروس الرّياضة والدّين إلى أن إستشهد إبن خالته "شادي" برصاص الاحتلال على معبر المنطار.. فعندها تحوّلت حياته إلى حزن يلفّه حنين إلى لقاء من فقده.. تقول والدته: "قبل يوم من إستشهاده شاهدت صورته في التّلفزيون وهو يقفز أمام الدّبّابة وطلبت منه ألاّ يكرّر ذلك وإلاّ تعرّض لضرب والده وقطع مصروف المدرسة عنه .
ولأن فارس لا يستطيع بحكم تربيته الكذب على والدته فقد قال أن إبن خالته الشّهيد شادي أتاه في الحلم وطلب منه الإنتقام وهو نفس الحلم الذي أتى والدته في إحدى اللّيالي عندما خرج إليها الشّهيد شادي في المنام وطلب منها أن تسمح لفارس
بالذّهاب الى معبر المنطار.
وعن ذلك تقول أمّ السعيد: "لم أكن خرجت بعد من صدمة فقداني ابن أختي الشّهيد "شادي" ولذلك كنت أتوسّل له ألاّ يذهب إلى المنطار وأحيانا كثيرة كنت ألحق به إلى هناك وأعيده الى المنزل".
وصباح الخميس الموافق التّاسع من تشرين الثّاني أعيد فارس إلى والدته شهيدا برصاصة من نوع 500 قطعت معظم شرايينه وأوردة رقبته.
ففي ذلك الصّباح خرج فارس مبكّرا من منزله يحمل بيده مقلاعا بعد أن جهّز لنفسه إكليلا من الزّهور زينه بصورته وبعبارة خطّها بيده "الشّهيد البطل فارس عودة ".
يقول صديقة رامي بكر: كنت أنتظره ككلّ صباح للذّهاب إلى المدرسة فكان على غير عادته معطّرا يحمل إكليلا من الورد أخذه من بيت عزاء إبن خالته الشّهيد شادي وقال لي ساعدني لكي أعلّق الإكليل على باب المنزل .
في معبر المنطار يقول رامي أن فارس كان يتعمّد تحدّي الدّبّابة والإقتراب منها وأحيانا كان يقوم بممارسة هوايته في الدّبكة الشّعبية على بعد أمتار قليلة منها. وعندما سألناه لماذا يفعل ذلك كان يجيب بأغنية "لو كسروا عظامي مش خايف ولو هدّوا البيت مش خايف ".
ترجّل الفارس بعد أن سجّل للتاريخ صورة طفل تحدّى بعظامه ولحمه الطري دبّابة.. ترجّل الفارس ولا تزال الصورة تنطلق بأشياء وأشياء.. دم وعظام تقفز من أسرّتها ومن بين ألعابها لتقاوم دبّابة.. ترجّل فارس وظلّ عيسى يردّد من بعده بجانب مقعده الفارغ على مائدة رمضان "لو كسروا عظامي مش خايف.. ولو هدّوا البيت مش خايف ".
http://www.muenster.de/~kheite/odeh/odeh01.htm
وهذه خاطرة شعرية كتبتها أيّام الإنتفاضة للشّعب الفلسطيني وكنت آنذاك ألاحظ ذلك الصّبي في نشرات الأخبار يحمل حافضة كتبه.. والحجارة ليرجم بما تيسّر له منها محتلّ أرضه المقدّسة.. .
أنقر على الصّورة للتكبير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق