2009/08/20

رمضان كريم.


أقبل علينا شهر رمضان المعظّم ببركاته فمرحبا بشهر القرآن شهر الرّحمة والمغفرة والعتق من النّار وكلّ عام وأنتم بألف خير.


2009/05/22

معركة الوعي.



أعوذ بالله من الشّيطان الرجيم.
بسم الله الرّحمن الرّحيم.
الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا خاتم النّبيين أبو القاسم محمّد بن عبد الله وعلى آله الطّيبين الطّاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السّادة العلماء.. الإخوة والأخوات.. السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في البداية أودّ أن أُبارك لكم جميعاً هذه الأيّام العزيزة أيّام النصر وأياّم التّحرير والأيّام التي صنعت لأمّتنا مجداً جديداً ووعياً كبيراً وأوجدت حادثةً تاريخيةً لا يمكن أن تنسى من ذاكرة هذه الأمّة.

أيّها الإخوة والأخوات كما هو عنوان المؤتمر بالفعل منذ البداية وإلى أن تتحقق الأهداف وتنجز المعركة نخوض معركة الوعي في أمّتنا ومعركة الوعي عند عدوّنا والذّاكرة جزءٌ من هذه المعركة التي نخوضها جميعاً. في محضر الأساتذة والعلماء والأعزّاء لست بحاجة للتأكيد أو للإستدلال على أهمّية عامل الوعي في المقاومة وإنتصارها وقيام الأمّة وتحقيقها لأهدافها في الدّفاع عن كرامتها ووجودها وسيادتها ومقدّساتها ولكن بكلمات مختصرة أود أن أقول أن الوعي ليس من عوامل أو من أسس أو من شروط قيام حركة المقاومة وإستمرارها وإنّما أعتبره الشّرط  الأساسي أو الشّرط الأوّل. الوعي هو شرط الوجود كما يقولون في المصطلح.. هو شرط وجود المقاومة.. هو شرط وجود القيامة والثّورة والنّصر.. هو الشّرط الأوّل والأساس والأهم. ولو أردنا أن نعمل قياس حتى على أساس التّربية الدّينية أو ما يقوله علماء السير والسلوك إلى الله تعالى أن الخطوة الأولى الضّرورية والواجبة لحركة الإنسان إلى الله تعالى عز وجل هي اليقظة.. إذا لم يستيقظ الإنسان.. إذا لم يعي من هو وأين موطئ قدمه ومحطّ عينيه وإلى أين يجب أن يتّجه لا يمكن له أن يتحرّك وإذا تحرّك فإن حركته ستكون حركة عشوائية لا هدف ولا خطّ سير ولا مراحل واضحة لها وبالتّالي يخبط في الحياة خبط عشواء. الوعي هنا هو شرط وجودٍ وشرط دوامٍ لأنّ الغفلة في أي مرحلة ٍ من مراحل المقاومة والجهاد كما في أي مرحلة من مراحل تهذيب النفس وتزكيتها وجهادها قد تؤدي إلى الانحراف فالوعي شرط كمالٍ لأنه بمقدار ما يعمق هذا الوعي ويتجذّر ويقوى ويشتد نوعاً وكمّاً ويتّسع سيساعد ويُسرع من الإنجاز والوصول إلى الغاية.

أعتقد أن كلّ قيادات وحركات المقاومة عملت على هذا الأمر بقوّة لأن إستجذاب أو إستقطاب مجموعةٍ من المقاتلين والمناضلين والمجاهدين الذين بهم قوام المقاومة لا يمكن أن يكون إلاّ على أساس الوعي والمعرفة من قبل هؤلاء لما يقومون به ولما يقدمون عليه فهو وعيٌ نحتاجه لقوام المقاومة بمجاهديها ووعي نحتاجه على المستوى الشّعبي لاحتضان أيّ شعب لحركة المقاومة لأنّنا نتحدث عن المقاومة كخيار شعبي.. ووعي نحتاجه على مستوى الأمّة لأنّ طبيعة الصّراع القائم لا يمكن أن تحسمه مقاومة في بلد وإنّما تحسمه الأمّة من خلال تكامل مقاوماتها وتضافر جهودها ووحدة توحيد طاقاتها وإمكانياتها في خدمة هذه المعركة.

ممّا يجب أن أُسجّله أيضاً في البداية كإنجازٍٍ لحركات المقاومة إضافةً إلى أنها منذ البداية أوجدت وعياً كبيراً في هذه الأمّة في مسألة الصّراع العربي الصّهيوني وسجّلت أيضاً تاريخاً للذّاكرة يمكن أن نعود إليه وسأتحدّث عنه بعد قليل لكن الإضافة التي يجب أن تسجّل وخصوصاً في السنوات والمراحل الأخيرة من حركة المقاومة أنها لم تكتفي فقط بنشاط أو جهد دفاعي في مسألة الوعي يعني إنصباب الجهد على تكوين وعي شعوبنا وأمّتنا ومقاتلينا ومقاومينا بل أستطيع القول أنها دخلت في مرحلة هجومية على هذا الصّعيد عندما بدأت تتدخّل في تكوين وعي العدوّ أو ما يسميه العدو بكيّ الوعي.

في موضع الهجوم كان الصّهيوني دائما هو الذي يشنّ الحرب النفسية والإعلامية وهو الذي يفرض علينا أنماط تفكير معيّنة أو تقييمات وإستنتاجات معيّنة لما لها من تداعيات عاطفية وتداعيات مشاعر ومواقف كنتيجة. لكن لأوّل مرّة تدخل المقاومة بفعلها الجهادي والإعلامي  والسّياسي وحربها النفسية لتقوم بكيّ الوعي الصّهيوني كما إعترف قادة ونخبة العدوّ بأنفسهم وإذا كنتم تلاحظون أن من أهمّ نتائج إنتصار عام 2000 قيام إنتفاضة الأقصى ونتائج حرب تمّوز صمود غزّة في معارك الحرب الأخيرة. ومن أهمّ نتائج هذه السلسلة من المواجهات والأحداث أنّها أصابت الوعي الصّهيوني في الصّميم. ليس المهم ما تقوله عندنا بعض وسائل الإعلام العربية المعروفة المنشأ والتّمويل والغاية المهم ما يجري في الضفّة الأُخرى وفي ذاكرة وتفكير ومشاعر وعواطف وتقييم العدوّ لمجريات الصّراع خصوصاً في السنوات الأخيرة وكشاهد على ما أقول فإلى ما قبل حرب تمّوز وأثناء الحرب كان الإعلام الصّهيوني على سبيل المثال وعندما أخطب أنا أو يخطب أي أحد من قادة المقاومة في لبنان أوفي فلسطين ولكن أنا كان لدي حظّ وافر في هذا الأمر كان يتم نقل الخطب مباشرةً في بثّ حي على عدد من التلفزيونات الصّهيوية ويقومون بترجمتها. الموضوع ليس موضوع حرّية تعبير وتقديم الرأي الآخر وشفافية في الإعلام الصّهيوني وإنما هي سعي من إدارة الإعلام لتقديمي أو تقديم آخرين ممّن يتحدّثون بإسم المقاومة من النّاطقين الرسميين وأنا واحدٌ منهم أن يشدّ من عصب المجتمع الصّهيوني أو أن يشوّه صورة المقاومة أو أن يقدّم مشهداً إرهابياً لهذه المقاومة لكنّه بعد حرب تموز حتّى فى المراحل الأخيرة منها وبعدها خُلص إلى تقييم يقول أن هذه الإطلالة المباشرة التي يؤمّنها إعلامه لي ولآخرين تؤثّر إيجاباً لمصلحة المقاومة لدى الرأي العام الصّهيوني وتمسّ بوعيه وبإرادته وبعزمه وتفضح قرارات وخيارات قادته وتكذّبه فيما يُقدّمه من معطيات وتؤدّي إلى كيّ الوعي في الطرف الآخر ولذلك من جملة عبر حرب تمّوز أنّه من وقتها إلى اليوم يتجنّبون البثّ والنقل المباشر وإنّما يقومون باقتطاع كلمات وجمل لا تخدم حرب المقاومة على مجتمع العدوّ وإنّما تُحاول أن تقدّم بعض المواقف أو يمكن تقطيعها وتجزئتها كما يجري عندنا في لبنان.

خلاصة هذه النقطة أنّنا إنتقلنا من مرحلة الدّفاع إلى مرحلة الهجوم وهنا المعركة الإعلامية والنّفسية والسّياسية تواكب بدّقة وبعقل ذكي وبإرادة ثابتة وبجهدٍ كبير المعركة الجهادية الميدانية التي يصنع فيها المجاهدين في فلسطين ولبنان ملاحم تاريخية.

في معركة الوعي التي نخوضها أيّها الإخوة والأخوات نحن لدينا من عناصر القوّة التي يجب ان نركّز عليها ونستفيد منها كما فعلنا بالفعل ولكن أطرحها للمزيد من التّطوير لهذه الإستفادة. أوّلا نحن نملك قوّة الحقّ يعني القضية التي نقاتل من أجلها في المقاومة في منطقتنا في مواجهة المشروع الصّهيوني وفي مواجهة الإحتلال هي قضية عادلة وقضية حقّ وقضية مشروعة.. هي قضية لا غبار عليها وهذه نقطة قوّة. يعني  تارة هناك قضية مصطنعة.. مختلقة.. مخترعة كالقضية الصّهيونية حيث الظّروف السّياسية التي جاءت بهم الى فلسطين بعد بحثهم عن أي وطن ليصير كيانا لهم وكانت الأرجنتين مطروحة.. وكانت أوغندا مطروحة.. كان يوجد أماكن عديدة من العالم مطروحة وعندما قضت مصلحة القوى الكبرى في العالم وخصوصا قوّة الإستعمار الإنكليزي أن يزرع في قلب منطقتنا العربية كيان معاد يشكّل ثكنة متقدّمة لقوى الإستكبار الغربي.. هنا تقاطعت المصالح.. وتفضّلوا أيّها الصّهاينة لنساعدكم في بناء كيان لكم ومن أجل أن يركّب الكيان في فلسطين أخرجوا له نظرية وتمّ فتح حكاية الـ3000 سنة وأرض المعاد والحقّ التّاريخي والإلهي لبني إسرائيل في هذه الأرض ولكن لو أنّ التّقاطعات والمصالح السّياسية الكبرى أخذت هؤلاء الصّهاينة اليهود الى الأرجنتين أكيد كانوا سيبحثون عن نظرية أخرى غير نظرية أرض المعاد ووعد الله سبحانه وتعالى لإبراهيم وإسحاق ويعقوب وما شاكل.. ولو ذهبوا إلى أوغندا أو على أي مكان آخر أكيد كان الأمر يحتاج الى تنظير مختلف.

إذا النظرية والفكرة والعقيدة الصّهيونية التي يعتمدون عليها لشرعنة إحتلال فلسطين وقيام كيان صهيوني هي مبنية على باطل.. على ما أوصلت له المصالح. أمّا في المقابل نحن في قضية المقاومة لا نبحث عن تقاطع مصالح سياسية كبرى تقضي منّا قتال أو موقف فنبحث له عن نظرية ونكوّن له عقيدة لأنّنا نواجه ونستحضر حقّا واضحا جليا بكلّ المعايير.. هناك أرض إسمها فلسطين.. هناك أرض إسمها لبنان.. سوريا.. مصر.. الأردن.. هناك أرض عربية وهناك شعب فلسطيني يعيش على أرض فلسطين منذ آلاف السّنين وهذا الشّعب يملك هذه الأرض ويملك قرارها وهو صاحب الحقّ الأوّل بتقرير مصيرها وجاء من يريد أن يبتلع أو إبتلع جزء كبير من هذا الشّعب ورمى به في مخيّمات اللاّجئين وفي دول الشّتات.. قتله وإرتكب بحقّه المجازر ومنعه من ممارسة حقوقه الطّبيعية وأقام على أجساده وأشلاء أطفاله دولة سمّاها دولة [إسرائيل].

بكل المعايير أيّها الإخوة والأخوات.. بالمعايير الدّينية والسّماوية والشّرعية وبالمعايير القانونية ومعايير القانون الدّولي وبالمعايير الأخلاقية وبالمعايير الإنسانية.. بأيّ معيار من معايير الدّنيا المحقّة والمنصفة نحن أمام قضية واضحة المعالم لا غبار عليها. وهنا أودّ ان أقول أنّ من أهمّ عناصر قوّة  المقاومة سواء في وعيها أو صنعها للوعي أو ممارستها الجهادية الميدانية أنّها تنتمي الى حقّ واضح لا ريب ولا لبس ولا شك ّفيه ولا غبار عليه وإذا فتّشنا كما كنت اقول سابقا على الكرة الأرضية كلّه وفي ما يجري من صراع في أي بلد من بلدان العالم بين شعب وشعب ودولة ودولة أو بين فئات في شعب من شعوب هذا العالم أو بين محور ومحور لن نجد قضية أوضح وأنصع وأبين في حقّها وشرعيتها وعدالتها وإنسانيتها وأخلاقيتها من قضية المقاومة  في صراعها مع العدوّ الصّهيوني ومشروعه في المنطقة. في أيّ صراع آخر.. في أيّة معركة أخرى

قد يدخل وقد يتسرّب بعض الشكّ وبعض الرّيب وقد تصاب بعض العزائم بالتّردّد هنا أو هناك في عودة إلى الذّات.. هل نحن على حقّ؟ هل مسارنا مسار حقّ؟ هل هدفنا هو هدف حقّ؟ لكن في قضية المقاومة لا مجال لهذا الأمر.. هناك وضوح مطلق في هذه النّقطة وعندما  يصل الإنسان إلى وضوح مطلق في مسألة الحقّ حينئذ لا يبالي.. أليس كذلك ؟.. لا يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه.

وهنا عندما بتسائل العالم عن سرّ هذا الثّبات الأسطوري لمجاهدي المقاومة في لبنان وفلسطين ولشعب المقاومة في لبنان وفلسطين وتحمّلهم للمجازر وللتّضحيات الجسام دون أن تهتز لهم إرادة فالسّبب الحقيقي ليس السّياسي ولا التشكيل التنظيمي ولا مسار المعركة إنّما خلفية الحقّ والعدل التي ينطلقون منها والتي تأسّس لإرادة جهادية إستشهادية لها حسنى النّصر أو الشّهادة ويصبح شبابها ككهولها يواجهون الموت دون خشية ودون تردّد لأنّه أن كنّا على حقّ لا نبالي أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا.

النقطة الثّانية من نقاط القوّة التي نستند إليها في صنع الوعي  وفي تطويره هي المصداقية.. القدرة الفعلية على إثبات مصداقية الخطّ الذي تدعو إليه المقاومة.. يعني عندما تتحدّث المقاومة عن قضية عادلة هي قضية تحرير الأرض والمقدّسات والأوطان ثم ترسم خيارا وحيدا في الحقيقة.. الآن الآخرين يريدون أن يستفيدوا من وسائل أخرى فهم أحرار نحن لا نمنع ذلك ولكن بشكل جدّي خيار المقاومة الجهادية التي تمثّل المقاومة المسلّحة رأس حربتها.. نحن لا نتحدث عن مقاومة عسكرية فقط.. المقاومة العسكرية الجهادية الميدانية تمثل رأس الحربة في هذه المقاومة الجهادية الشّاملة وإلى جنبها الفكر والمعرفة والعلم والسّياسة والتعبئة والإعلام.... الخ.

عندما نطرح هذا الخيار يأتي نقاش حول هل فعلا هذا الخيار مجد وهل يمكن أن يوصل إلى نتيجة؟.. هذه أسئلة ترتبط بالوعي وبالقناعة وأنا أقول لكم منذ البداية نعم كانت المقاومة تخوض معركة الوعي في هذه المسالة.. قد لا يكون صعبا علينا في حركات المقاومة أن نقنع شعوب أمّتنا العربية والإسلامية بعدالة قضيتنا.. حتّى الذين يروّجون لثقافة الإستسلام للعدوّ.. حتّى الذين وقّعوا معاهدات ما يسمّى بسلام مع العدوّ عندما تناقشهم يسلّمون لك بعدالة القضية ويقولون نعم فلسطين من البحر الى النّهر هي حقّ لشعب فلسطين.. نعم وليس هناك أيّ حقّ شرعي أو قانوني لقيام كيان صهيوني على جزء من أرض فلسطين.. حتّى من وقّع هو حاضر أن يسلّم بالنّقاش بعدالة القضية.

إذن هذه مرحلة وبإعتقادي أنّها الأسهل في معركة الوعي أمّا المرحلة الأصعب فهي مرحلة الإقناع بالخيار الذي يخدم هذه القضية.. الطريق.. المسار.. وهذا ليس سهل. هناك الكثير من النّاس كان تشخيصهم للهدف صحيح وإختيارهم للمسار والطريق خاطئ وتاهوا وضاعوا لعشرات السّنين وأمم قد تاهت وضاعت لمئات السنين. هنا لا نتكلم عن تيه أو ضياع فرد أو مجموعة صغيرة بل شعب وأمّة.. عندما ينحرف شخص عن مسار يمكن بسهولة  تصحيح المسار.. واحد ذاهب الى طرابلس إذا سلك طريق غير صحيح يستطيع بسهولة الرّجوع إلى الطّريق الصحيح.. بينما إذا أمّة إنحرفت عن مسار  يصبح تصحيح مسارها صعبا ويحتاج إلى جهود كبيرة وزمن طويل قد تفوت فيه الكثير من المصالح لإستعادة صحّة الخيار وتصحيح الإنحراف.

 المسألة الرئيسية في معركة الوعي هي إنتخاب الخيار الصّحيح والموصل للهدف وإذا لم ننتخب الخيار الصّحيح سنضيع في الطّريق ولن نصل إلى الهدف على الإطلاق وسيزداد عدوّنا قوّة وعلوا ومنعة وإقتدارا و تجذّر وتثبيتا لقواعده.. هنا كانت صعوبة الموضوع.. نقول للنّاس موضوع الخيار العسكري والكفاح المسلّح والنّضال المسلّح.. أي نستعمل كلّ أدبيات الجهاد بمعناه الخاص أي القتال في سبيل الله.. الجهاد بمعناه العام أوسع وهو أمر مكلّف لأكثر من سبب أولا أن يقتنع معك أحد أنّ قضيتك عادلة.. قد لا يكون عليه أي أعباء ومن الممكن أن يكون ضميره مرتاح بقضيتك العادلة . لكن عندما يسلّم لك بالخيار المسلّح  يكون هناك عبئا.. عبأ على من يحمل هذا الخيار ومن يساند هذا الخيار وعبأ على الأمّة أو على البلد الذي يتواجد فيه من يحمل هذا الخيار وأنا أضرب مثل من لبنان لأنّنا عشناه والفلسطينيين عاشوا تجربة طويلة في هذا الأمر.. سنة 1982 عندما جئنا بالقوّة التي أسّست للمقاومة ولم يكن حزب الله وحده.. كان من مجموعة قوى أسّست المقاومة الكبيرة وعندما كنّا نأتي للنّاس ويتذكّر ذلك الإخوة والاخوات.. حتى في منازلنا وعائلاتنا.. حتّى في وسط المؤمنين بالله واليوم الآخر وبالوعد الإلهي والقرآن المجيد.. عندما كنّا نتناقش كانوا يقولون بأنّ القضية صحيحة لكنّ الخيار الذي تسيرون عليه غير صحيح وحتّى البعض وتعرفون.. نحن نعترف بشيء.. عند المشايخ يقولون ما ضاعت على فقيه حيلة وذلك يعني أنّ من يريد أن يقاتل يستطيع أن يجد فتوى.. والذّي يريد أن يقعد عن القتال يجد فتوى.. الذّي يريد أن يعمل صلحا مع العدو يجد فتوى.. إذن من يريد فتوى لخط شرعي يستطيع أن يجد فقيه يعمل له فتوى.. مثلا يوم الذي وقع فيه صلح مع الكيان الصّهيوني وتمّ الإعتراف به وتسليمه ثلثي الأرض وبكل سهوله إستطاع واحد من المشايخ أن يقول فإن جنحوا للسلم فأجنح له وإنتهت الحكاية.

 يومها كان ياتي من يقول لنا ونحن كنّا أغلبنا شباب.. كان يقال أنتم متحمّسون وهذا الخيار هو إلقاء للنفس في التّهلكة ويحرّم على المؤمنين أن يلقوا بأنفسهم في التهلكة.. نحنا ما فينا نقاتل الصّهاينة ونواجههم.. بعالم النّقاش الفقهي والشّرعي والمتديّنين والحركات الإسلامية  كانت تستخدم هذه اللغة.. طبعا بالمنطق العام الذي كان يستخدم على المستوى الوطني بعض القوى السّياسية وبعض الوسائل الإعلامية وبعض النّخب.. تتذّكروا قصّة العين لا تقاوم المخرز.. نحنا ضعاف.. إمكانيات ما عنّا وقدرات ما عنّا.. هذه التي هزمت في ستّة أيّام جيوشا عربية على عدّة جبهات نحنا قلّة من الشّباب اللبنانيين بدّنا نهزمها؟.. يعني هكذا كان المنطق.. هنا المشكلة هي مشكلة في الوعي وفي القناعة وفي إتّخاذ الخيار والقرار.. نعم نحن خضنا نقاشات في البداية ودعونا نقول طابعها فكري وفقهي وعاطفي ونفسي وبدّنا قليل من الحماس والفكر والإستفادة من تجارب السّابقين ولكن نقطة قوّة المقاومة أنّها وخلال سنوات قليلة إستطاعت بالفعل الميداني والجهادي والإستشهادي بالإستشهاديين الكبار من مختلف الأحزاب والقوى إبتداء من عملية أمير الإستشهاديين أحمد قصير في صور التي أدّت إلى تدميرمقر الحاكم العسكري الصّهيونيي وقتل ما يزيد على مئة ضابط وجندي في عملية لا سابقة لها في تاريخ الصّراع العربي الإسرائيلي وكلّكم تتذكّرون الوجه الكالح لأرييل شارون وهو يقف على أطلال ذلك المبنى وإعلان بيغن للحداد ثلاثة أيّام.. من هذه الدّماء والعمليات الإستشهادية إستطعنا أن نصنع  وعيا على مستوى شعبنا وعلى مستوى  أمّتنا بصوابية وصدقية خيار المقاومة.

قيادات المقاومة منذ البداية والذي أصبح معروف منهم على مستوى الجهادي الشهيد القائد عماد مغنية لأنّ قادتنا الجهاديين يعرفون بعد إستشهادهم ورحيلهم.. وكم كان أعمارهم في عام 82.. 20 سنة و21 سنة و22 سنة.. إذن لبنان الذي له وضع خاص وصيغة خاصّة.. شبابه وشبيباته وحتّى ناسه الذين إحتضنوا هذه المقاومة إستطاعوا أن يثبتوا صدقيتها ولذلك أنا هنا أودّ في أيام 25 أيار أن أصحّح أنّ أوّل هزيمة حقيقية للصّهاينة.. هزيمة نكراء بلا قيد وهزيمة مذلّة لم تكن في 25 أيار 2000 على الأرض اللبنانية وإنّما كانت بالعام 84 و85 عندما إضطرّ المحتل على الخروج بذلّ من بيروت العاصمة ومن الضّاحية ومن الجبل وجزء من البقاع الغربي من صيدا وصور والنّبطية وحتّى عندما توسّط بعض حلفاء العدوّ في تلك الأيام ليؤجل إنسحابه أسبوعا واحدا ليستحكم بعضهم ببعض رفض التأجيل يوما واحدا.. تلك كانت الهزيمة الأولى التي أسّست للهزيمة الكبرى في العام 2000.

إذن في وقت مبكّر إستطاعت المقاومة أن تثبت بفعلها الميداني صوابية وجدوائية هذا الخيار الذي يجب أن نستند إليه بقوّة ونحن نروّج لثقافة ووعي المقاومة بسبب الفعل الميداني الذي بني عليه خطاب سياسي وحرب نفسية تم كيّ الوعي الصّهيوني.. تمّ إسقاط مجموعة كبيرة من المفاهيم الكاذبة التي صنعها العدوّ وصدّقوها ومنها الجيش الذي لا يقهر وشعب الله المختار والكيان الموعود بالنصر من الله سبحانه وتعالى.. هذا الكيان يهزم.. وهنا أهمية معركة كيّ الوعي التي خاضتها المقاومة فهي لم تستند أيّها الإخوة والأخوات الى الخطابات التي حاولوا تشبيهها في السّنوات الأخيرة بتعليقات محمّد سعيد (إذاعة صوت العرب المصرية) بحرب الـ 67 وقبلها وبعدها.. الحرب الإعلامية النّفسية التي شنّتها المقاومة في لبنان وفلسطين ونالت من الوعي الصّهيوني ليست حربا قائمة على إفتراضات وإنما حرب قائمة على وقائع ميدانية وإنجازات ميدانية كبرى وتمريغ للوجوه الصّهيونية في الوحول وتقديم مشهد إذا كنتم تتذكّرون خمس جنود للعدوّ في ساحة مرجعيون يولولون كالأطفال الصّغار.. يبكون..  صواريخ المقاومة الفلسطينية في حرب غزّة الأخيرة هي التي قدّمت مشاهد شاهدها العالم وشاهدها العرب وشاهدها الصّهاينة.. كيف يركع هذا المسؤول الصّهيوني وذاك الوزير عندما يسمع صوت الصّاروخ ويدسّ رأسه تحت دولاب السيّارة.. هذا المشهد ليس الخطاب الذي عمله.. هذا المشهد عمله الصّاروخ وبفعل المعركة والمواجهة والفعل الميداني.

ثالثا: من نقاط القوّة التي يجب التّركيز عليها هي القدرة على التّعبئة المتاحة أمامنا باعتبار أنّنا حركات مقاومة من أبناء هذه الأرض وهذه الأوطان وهذه المنطقة.. آباؤنا وأجدادنا ونحن ننتمي إلى حضارتها وإلى دياناتها السّماوية وإلى ثقافتها الغنيّة وإلى شعرها ونثرها وأدبها وإلى بطولاتها ورجولتها وفروسيتها وإلى عاطفتها وحنانها وكرم أخلاقها وإلى أنبيائها ورسلها وأوليائها الصّالحين ومجاهديها الكبار وشهدائها العظام.. وننتمي إلى توراتها وإنجيلها وقرآنها وبالتّالي لدينا من الإرث ومن التّراث والغنى الفكري والثّقافي والعقائدي والنّفسي ومن الثروة على هذا الصّعيد ما يمكّننا من خوض معركة وعي حقيقية قائمة على أسس فكرية وثقافية وأخلاقية وعاطفية وأدبية وشاعرية بكلّ ما للكلمة من معنى وهذه من أهمّ عناصر قوّة المقاومة.

لا شك ان الخطاب القرآني الذي دخل على معركة المقاومة في العقود الأخيرة كان له تأثير بالغ وكبير وخطير جدّا في إندفاعة وإحتضان المقاومة وفي صبر وتحمّل ومعاناة وصموده النّاس أمام الخسائر والتّضحيات.. مهما جبنا من الشّرق أو من الغرب وإستعرنا من الأدباء والشّعراء والحماسيين هنا أو هناك لا أحد يقدر أن يجيء بقلب المعركة كلمات مثل " فلم تقتلونهم ولكنّ الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى".. لا نقدر أن نجيء مرحلة تثبيت النّاس وتسليتهم وتعزيتهم على ما أصابهم تثبيتا لهم في المعركة وإستمرارا في المواجهة " إن تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون" في الحماسة لتثبيت الناس وتثبيت القناعة وتثبيت الوعي " إن ينصركم  الله فلا غالب لكم وإن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم".. من أين نأتي بمثل هذه الكلمات عندما تحشد الدّنيا كلّها في تواطأ على حقّك وعلى قضيتك وعلى شعبك كما حصل في شرم الشّيخ في العام 1996 وحتّى لو يخطب الواحد ساعة وساعتين وثلاثة ساعات لا يقدر أن يؤدّي المعنى الذي تؤدّيه الآية الكريمة "الذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فأخشوهم وزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل".. الخطاب القرآني الذي يتحدّث عن الجهاد وعن الإيمان وعن الجنّة وعن العزّة وعن الكرامة وعن إحتساب الألم والصّبر في عين الله عمّا ينتظر المجاهدين عند الشّهادة ومفاجئة الشّهداء عند النّصرة الإلهية والعون الإلهي والتأييد الإلهي الذي لم نقرأه آيات فقط وإنّما شاهدناه بعيوننا وعقولنا وقلوبنا في ساحات المعركة ومنها حرب تموز.. ممّا لا شكّ فيه عندما نملك ثروة بهذا الحجم فهذا من عناصر القوّة التي تساعدنا في المعركة التي نخوضها.

رابعا: هي الذّاكرة.. ذاكرة بداية هذا الصرّاع والذّاكرة التّاريخية. وهنا أقول لكم أنّ التّربية القرآنية والإسلامية والنبوية عموما هي التي تدعو إلى الإستفادة من كلّ عبر التّاريخ. لماذا يروي لنا القرآن الكريم قصصا بدءا من آدم وحوّاء وإبليس وأولاد آدم ونوح وهود وصالح وكلّ الأقوام التي سبقت؟.. هل ليملأ لنا فراغ الوقت؟.. لا..  لأنّ التّاريخ هو عبرة وإستنتاج ومدرسة ومن يتعلّم من ألف سنة في التّاريخ كأنّه عاش ألف سنة.. ومن يتعلّم من خمسة آلاف سنة كأنّه عاش خمسة آلاف سنة. وهذه زبدة العبرة هناك الكثير من وقت الشّعوب في التّاريخ هو هباء منثور.. أكل وشرب ونوم وتنزّه والى آخره.. هذا الأمر مكرّر دائما.. أمّا المسائل الرئيسية التي تؤخذ منها العبرة فهي التي يبنى عليها العمر وخلاصات العمر. قوّة المقاومة اليوم هي في إستحضار مجريات الأحداث في تنشيط  الذاكرة بشكل دائم.. وهذه معركة أساسية. العدوّ دائما رهانه على الوقت حتى ننسى. العدوّ يراهن دائما على النسيان.. أنّ يُنسي الوقت الشّعب الفلسطيني أرضه والذين يعيشون في المخيمات غدا يطعنون في السّن.. والذين كانوا في فلسطين يتوفاهم الله مع الوقت بعد أعمار طويلة.. والأجيال الجديدة لم تعش في فلسطين ولم تشمّ رائحة زيتونها وزهرها ووردها وبالتالي جزء أساسي من المشروع الصّهيوني والذي يساعد عليه عرب كثيرون هو النّسيان. بالمقابل أنت تريد ان تخوض معركة تنشيط الذّاكرة لأنّها الأساس في الوعي الذي نتكلّم عنه. من هنا الفضائيات العربية وكل وسائل الأعلام والإذاعات ومراكز الدّراسات والتّحقيقات والكتب والمعارض والأناشيد والحفلات ذات الطّابع التّراثي... إلى آخره.. حتّى هذا المفتاح الذي بدأنا نراه بقوّة في السّنوات الأخيرة في المخيّمات وفي المناسبات وفي المظاهرات داخل أرض فلسطين المحتلّة حيث هناك لاجئون.. نعم هذا المفتاح يجب أن يتحول إلى رمز.. مفتاح البيت في حيفا ويافا يجب أن يصبح رمزا يتربّى عليه الأطفال ويشبّ عليه الصغار والكبار. نحن يجب أن نواجههم من نقاط قوّة المقاومة وتجربة المقاومة وخصوصا في السّنوات الأخيرة وهي مقاومة منصفة. أنا أتكلّم مثلا عن حزب الله والمقاومة الإسلامية.. نحن نقرّ ونعترف ونجلّ كلّ التّجارب التي سبقتنا بمعزل عن خلفياتها الفكرية والإيديولوجية والعقائدية نحترم هذه التّجارب ونستفيد من أدائها وعملها من سيرها ونقاط قوّتها وضعفها نبني عليها ونعتبرها دخيلة في كلّ الإنجازات التي حصلت وأنتم تذكرون في 25 أيار 2000 عندما وقفت أنا في بنت جبيل لم أقل هذا نصر لهذه الجهة أو تلك بل بدأت منذ أوّل يوم بدأت فيه المقاومة.. منذ أوّل طلقة رصاصة في مواجهة الإحتلال والمشروع الصّهيوني  في المنطقة. وعندما يكون هناك مقاومة تحفظ هذه الذّاكرة ولا تتنكّر لها وتحترمها.. بل تعتزّ بها وتنصفها وبالتالي تكمّل من حيث إنتهت. أمر خطأ البدء من الصّفر هناك الكثير من الإنجازات والإيجابيات والكثير من النّتائج تمّ تحقيقها وعلينا أن نبني عليها ونكمّل وهذا ما أدعو إليه بشكل دائم.. إذا كنّا كذلك فانا أعتقد أنّ هذه الذّاكرة ذاكرة أداء وتضحيات المقاومة والمقاومين من كلّ الإتّجاهات خلال المرحلة الماضية تساعدنا إيجابا وأيضا إعتداءات العدوّ ومجازره وكيفية إقامة هذا الكيان والمؤامرات والتّواطؤ والوحشية التي مارسها الصّهيوني خلال 61 عاما أو خلال الأعوام المقبلة.. هذه يجب أن تبقى حاضرة في صنع الوعي وأيضا يجب أن تبقى حاضرة عمليات المقاومة وأداؤها وإنجازاتها من أجل كيّ الوعي الصّهيوني. 

خامسا: فقه الأولويات أو ثقافة الأولويات عند حركات المقاومة وهذا جزء أساسي من الوعي وتكوين الوعي وبالتالي نحن كنّا دائما من دعاة إعطاء الأوّلية المطلقة وليس النّسبية لمقاومة الإحتلال ومواجهة المشروع الصّهيوني. وهذا الذي حكم أداءنا كلّ السّنين وما زال. وهذا ما كنّا ندعو إليه وندعو إليه دائما في فلسطين وفي أداء الفصائل الفلسطينية سواء داخل فلسطين أو خارجها حتّى في بعض الملاحظات التي كنّا نبديها على بعض الأداء في العراق.. نحن كنّا نجاهر بتأييدنا للمقاومة ضدّ قوّات الإحتلال للعراق ولكنّنا بالتأكيد كنّا ندين كلّ ما يؤدّي إلى النيل من شعب العراق وإرتكاب مجازر وقتل النّاس وما شاكل.

فقه الأولويات وثقافة الأولويات مسألة رئيسية في صنع الوعي والدّعوة إلى المسار الصّحيح. وبناء على نقاط القوّة هذه التي نمتلكها يجب أن نواصل العمل. اليوم التّحدي الحقيقي في معركة الوعي هي المسألة التّالية: اليوم نحن نخوض معركة وعي كبرى وجديدة وهي معركة العودة إلى تحديد العدو.. إستطاعت المقاومة خلال سنوات طويلة أن تكرّس بوضوح أن الصّهيونية هي العدوّ وأن المشروع الصّهيوني المدعوم والمتبنّى بالمطلق وبالكامل من أمريكا هو العدوّ وهو الخطر على الأمّة وعلى الشّعوب العربية وحتّى على الحكومات العربية وحتّى على أنظمة الإعتدال العربي كما تسمّى.. لكن منذ سنوات هناك جهد أمريكي–غربي- صهيوني يتقاطع مع بعض الجهد العربي الذي يحاول أن يقدّم أو يختلق للأمّة عدوّا وهميا ليحرفّها عن العدوّ الحقيقي وعن المواجهة الحقيقة.. وهذا العدوّ الوهمي تارة إسمه الجمهورية الإسلامية في إيران ويقدّم بعنوان الأطماع الفارسية في الأرض العربية ويستحضر له الدّولة الصفوية وصراعها مع الدّولة العثمانية وأحيانا يقدّم بعنوان الشّيعة والتّشيع والغزو الشّيعي أو الهلال الشّيعي وما شاكل وقد تمّ العمل على هذا الموضوع وما زال بشكل قوّي جدّا.  الآن مع مجيء "نتنياهوـ ليبرمان" العرب يتكلّمون مع "نتنياهوـ ليبرمان" ويقولون لهم  تعالوا وأعترفوا بالدّولتين فيقولون لهم "النووي الإيراني".. حسنا.. يقولون لنتنياهو تفضّل لنعالج مسألة الصّراع العربي الصّهيوني فيجيبهم أوّلا لا بدّ من أن نحلّ مسألة إيران. إيران تشكّل تهديدا للعدوّ وللعرب.. إذا على العدوّ والعرب أن يتعاونا لمواجهة التّهديد الإيراني وفيما بعد نعالج الموضوع الفلسطيني والمشاكل العربية الصّهيونية. أليس هذا هو المنطق اليوم الذي تعمل عليه حكومة نتنياهو ويمشي معها في ذلك بعض العرب.

طبعا سمعنا في الأيّام الأخيرة تصريحات جيّدة  للأمين العام للجامعة العربية السّيّد عمرو موسى وأنا سمعت تصريحا للسّيّد صائب عريقات ولعدد من المسؤولين بأن التّهديد هو الكيان والنّووي الصّهيوني وليس إيران أو النّووي الإيراني. لكن المعركة على صنع هذا الوعي كبيرة جدا حتّى لا نقول أنّ هذه المرحلة قد تجاوزناها فإنّ إمكانيات هذه المعركة ضخمة جدّا سواء إمكانياتها المالية أم الإعلامية وإمكانياتها بالنّخب المرتزقة إذن هناك الكثير من الإمكانيات ويستغلّ لها تاريخ وماضي وحاضر وتحاليل وأكاذيب وإشاعات وفتاوى وأوراق صفراء وما شاكل. أنا اعتبر اليوم أنّ هذا هو التّحدّي وأريد أن أذكّر خصوصا اللبنانيين وشعوب منطقة دول الطّوق أن العدوّ كان دائما يلعب على هذا القلق حتّى في الموضوع اللبناني فهو يراقب بدقّة البيئة الفكرية والثّقافية والوجدانية وما يقوله النّاس عندما يشنّ عملية عسكرية أو حربا على بلد ما فحساباته ليست فقط حسابات سلاح وعتاد ومقاتلين بل ينظر للبيئة الإجتماعية. في عام 1982 مثلا من أسباب مقاومتنا الأساسية التي وصلت للإنتصار في 25 أيارعام 82 فإنّ العدوّ الصّهيوني عندما إتّخذ قرارا بالحرب على لبنان والوصول إلى العاصمة بيروت كان قد درس البيئة بشكل جيّد ووصل إلى مكان ما نتيجة التراكمات (لا أريد أن أدخل في تقييمها الآن) منذ ما قبل العام 1975 وفيما بعده إلى عام 1982 توصّل العدوّ بمساعدة الظّروف والمناخات للإعتقاد بما يلي: وهو أنّه أيّها المسيحيون في لبنان أنتم أقلّية في بحرومحيط إسلامي واسع جداً.. مهدّدون بالإقتلاع.. ضمانتكم هو الكيان الصّهيوني.. حاميكم هو الكيان الصّهيوني وبالتالي وجودكم ومصلحتكم الإستراتيجية في التّعاون والتّحالف مع الصّهاينة وجاءت نخب في الوسط المسيحي نظّرت لهذا الخيار. الآن لا نريد أن نقيّم ظروفها لأنّ هناك أناس قد يقولون أنّ ظروفها أوصلتها لذلك لأنّ لهذه الظروف بحث آخر.. أنا هنا آخذ النتائج فقط.

هذا في الشقّ المسيحي أمّا في الشقّ الدّرزي وأيضاً نتيجة الصّراع الذي كان قائما قبل 82 حاولت عناصر صهيونية أن تقول للدّروز في لبنان أنّ عدوّكم ليس الكيان الصّهيوني عدوّكم هم الموارنة بشكل خاص والمسيحيون بشكل عام وهم الذين يشكّلون تهديدا لوجودكم وبالتالي لمواجهة الخطر الماروني المسيحي.. أنتم معنيون بالإستعانة بالعدوّ كضامن للأقلّيات الدّينية والمذهبية في المنطقة. ثمّ جاءوا إلى الشّيعة (حسنا نريد أن نسمّي الأمور بأسمائها كما هي) بعد العام 1982 الشّيعة الذين ربّاهم الإمام موسى الصّدر على أن الصّهاينة هم شرّ مطلق وأنّ التعامل معهم ومع عملائهم حرام.. والذين ربّاهم أيضا الإمام موسى الصّدر على رفض ما سمّي في ذلك الحين بالجدار الطيّب وأفتى بشكل واضح بأنّه حتّى لو كان أحد ما مريضا في الشّريط الحدودي وفي القرى الحدودية ووصل إلى حدّ الموت وتوقّفت حياته على أن يدخل إلى الأرض المحتلّة ليتلّقى العلاج فهو حرام وإذا مات فهو شهيد. أيضا نتيجة ظروفنا قبل العام 1982 بمعزل عن تقييمها ونقدّر بين هلالين أن نفترض وجود خروقات صهيونية كبيرة كما هو بائن الآن فاليوم يتبيّن بأنّ هؤلاء الجواسيس الذين تمّ إعتقالهم لم تكن وظيفتهم فقط جمع المعلومات بل كان من جملة وظائفهم إفتعال فتن وإيجاد إشتباكات مسلّحة بين فصائل وقوى وأحزاب.. إذا وصل الوضع بعد العام 1982 إلى أنّ قراءة الصّهيوني للبيئة الإجتماعية  في الجنوب خصوصا وللشّيعة في لبنان عموما أنّه إذا ما دخل الى لبنان فإنّ الشّيعة في لبنان منزعجين ومتضايقين من الواقع القائم ولن يقاتلوا لكنّ هذا التقييم سقط.. يمكن كان له محلّ في الأيّام الأولى بشكل محدود ولكنّه سرعان ما تهاوى وسقط في الأسابيع الأولى وإنطلقت حركة المقاومة وأعلن الصّهاينة بوضوح أنّهم فوجئوا بالمقاومة التي إنطلقت في جنوب لبنان بشكل أساسي.

الصّهيوني دائما يحاول أن يؤثّر على الأقلّيات في لبنان والمنطقة وأثبتت التّجربة للمسيحيين والدّروز ولكلّ من تعاون مع العدوّ في تجربة سعد حدّاد وأنطوان لحد أنّ هؤلاء الصّهاينة لا يهمّهم من هذه المنطقة ومن شعبها وسكّانها وطوائفها وأقلّياتها وأكثريتها إلاّ مشروعهم وحماية مشروعهم ولا تربطهم أيّة علاقة إنسانية أو أخلاقية مع أيّ إنسان أو طائفة أو فريق في لبنان. إذن هذا ما عملوا عليه سابقا أمّا اليوم فهم يعملون على هذا الموضوع بشكل مكبّر.. تصوّروا أن تخرج أصوات في بعض دول الخليج وبعض الأماكن على مستوى بعض النّخب ليقول نحن يجب أن نتعاون مع الصّهاينة ونتحالف معهم لنحمي العالم العربي وبعضهم يذهب بعيدا إلى القول لحماية أهل السّنة والجماعة من إيران الفارسية الشّيعية.. ماذا يعني هذا ؟

اليوم نحن نواجه هذا التحدّي ولا يستسهلنّ أحد هذا الموضوع.. أنا برأيي و قد قلت هذا الأمر طويلا المعركة الأخيرة التي يخوضها المشروع الأمريكي– الصّهيوني في المنطقة هي معركة إحداث صراع عربي إيراني وسنّي شيعي وإذا أفشلناه  تكون قد إنتهت أسلحة الشّيطنة والآمر والعقل الإبليسي الأمريكي- الصّهيوني في منطقتنا وسوف نصبح أمام معركة واضحة في مواجهة هذا المشروع. في موضوع إيران فإيران واضحة.. إيران التي أعلن إمامها أقدس يوم في تاريخ المسلمين على مدى عام وهو يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان المبارك يوما عالميا للقدس لتبقى القدس في الذّاكرة ولتبقى القدس في الدين وفي الصّلاة وفي الصّيام وفي ليلة القدر. إيران التي غيّرت التحالفات الإستراتيجية في المنطقة عندما أسقطت الشّاه.. إيران التي أقامت أوّل سفارة لفلسطين في العالم على أرضها في طهران.. إيران التي لم تتوانى ولن تتوانى في دعم الشّعب الفلسطيني وحركات المقاومة الفلسطينية.. وإيران في الزّمن الذي يهدّد فيه كل من يدعم الفلسطينيين ويتّهم بأنّه راع للإرهاب تقف في وضح النّهار وتعلن أنها تعتزّ وتفتخر بدعم الشّعب الفلسطيني والمقاومة في فلسطين ولبنان.. إيران التي تقف بلا شروط وبلا حدود إلى جانب حركات المقاومة في المنطقة لا يجوز أن يخجل أحد بأن يقول نحن على علاقة مع إيران وعلى إتّصال بإيران ونعتزّ بالدّعم الإيراني ونأمل من جميع الدوّل العربية والإسلامية وجميع الحكومات والأنظمة أن تمدّ يد الدّعم والمساندة على كل صعيد لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين كما تفعل إيران وسوريا. ما هو العيب والمخجل في هذا؟

وأنا أقول لكم.. اليوم صوت إيران هو الصّوت الأعلى في العالم في مواجهة المشروع الصّهيوني. من يجرؤ أن يقف في مؤتمر للأمم المتّحدة ويقول ما قاله الرئيس أحمدي نجاد بحقّ الصّهيونية وكيانها. وهو ليس رئيس حركة تحرّر لكي يقول كلمته ويمشي ولا يهتم للتّبعات بل هو رئيس دولة لديها علاقات إقتصادية وتجارية ومصالح كبرى مع العالم ولكن عندما يتصرّف القادة في إيران مع موضوع فلسطين ومع موضوع المشروع الصّهيوني يتصّرفون خارج الحسابات. أنا أعرفهم جيّدا وكلّ الإخوة الفلسطينيين الذين إنفتحوا على إيران يعرفون هذه القيادة جيّدا. عندما دعّمتنا وتدعّمنا لنحرّر أرضنا ونقاتل عدوّنا لم تضع علينا شروطا ولم تطلب منّا شيئا ولم توّجّه إلينا أوامر ولم تحدّد لنا ما هو مقبول وما هو مرفوض وحتّى عندما نتجاهلها ولا نمتدحها لا تعاتبنا بل تقول لنا ما تفعلونه جيّد نحن نتفهّم ظروفكم. طبعا هذا نموذج فريد في العالم.. عندما نقول ذلك للنّاس يقولون إنّ هذا مستحيل.. بل هذا أمر معقول لأنّ له علاقة بالخلفية.. القيادة في إيران تعتبر أنّها تؤدّي واجبها العقائدي والدّيني والتّاريخي والأخلاقي الذي إن أم تؤيّده ستسأل يوم القيامة. وإلاّ اليوم إذا فتحت إيران أبوابها لتساوم على فلسطين وعلى شعب فلسطين وتساوم على حقوق شعوب هذه المنطقة وتساوم حتّى على سيادتها وكرامتها فالأمريكي لا مشكلة لديه عندها.. هو حاضر لأن يتبنّى أيّا كان إذا كان يخدم مشروعه أو يوقف تدهور هذا المشروع. أنا اختم بالدّعوة اليوم خصوصا للسّادة الكرام والإخوة العلماء جميعا.. أقول لكم نعم.. معركة الوعي اليوم هي مواجهة مخطّط الفتنة ومخطط إصطناع عدوّ وهمي وتجهيل النّاس وتضليلهم عن العدوّ الحقيقي ودفع الأمّة إلى معركة وإلى مواجهة لا يستفيد منها إلا العدوّ الصّهيوني. نحن يجب أن نخوض معركة الوعي هذه وعليها نواصل مقاومتنا وطريقنا إن شاء الله وأنا من الذين يؤمنون بقوّة بأنّ هذه الأمّة تجاوزت مرحلة الوعي المؤسّس للإنتصار ودخلت في مرحلة الوعي الذي يصنع الإنتصار الفعلي كما صنعته في العام 2000 والعام 2006 ونحن إن شاء الله كأمّة كما يقولون نحن في حالة صعود في القوس الصّعودي وعدوّنا في حالة هبوط في القوس النزولي وما النّصر إلاّ من عند الله العزيز الجبّار.

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

2009/05/19

النكبة والإنتصارات.

لايمكن أن ننسى نكبة المسلمين في فلسطين كما لا يجب أن ننسى أنّ هناك شعبا مشرّدا يحلم بالعودة لأرضه وأهمّ ما يجب ألاّ ننساه أنّ الكفاح المسلّح المؤمن هو الطّريق الأوحد للتّحرير.



2009/04/30

إرهاب.

 شبكة النّبأ

بعد توقّف القصف الإسرائيلي لغزّة تأتي مُذكّرات موشي شاريت رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق لتكشف أن قادة إسرائيل عام 1955 ثبت لهم أن إحتلال غزّة لن يحل أي مشكلة أمنية، وأن الدّولة العبرية قامت على مبدأ القوّة التي تضمن لها درجة من التّوتّر من خلال إفتعال حرب مع أي طرف عربي.

الكاتبة الإسرائيلية ليفيا روكاش، تقول في دراستها لمذكّرات شاريت، الذي كان أول وزير خارجية إسرائيلي أنّ "الخطر العربي أسطورة إخترعتها  إسرائيل لأسباب داخلية.. ولم تستطع النّظم العربية إنكارها تماما رغم أنها كانت على الدّوام في خوف من إستعدادات إسرائيل لحرب جديدة". مضيفة أن إحتلال غزّة وشبه جزيرة سيناء المصرية كان على " أجندة" القادة في إسرائيل التي تستمدّ قدرتها على البقاء من "خلق الأخطار" و"إختراع" الحروب على حدّ قول شاريت.

وتعرّضت غزّة منذ يوم 27 ديسمبر كانون الاول 2008 لغارات جوية إسرائيلية وفي الأسبوع التّالي بدأت إسرائيل هجوما برّيا وإستمر القصف المدمّر 22 يوما وأودى بحياة نحو 1300 فلسطيني بينهم 410 على الأقل من الأطفال وأصيب نحو 5300 شخص بينهم 1631 طفلا. وأعلنت إسرائيل أن عشرة من جنودها إضافة الى ثلاثة مدنيين قتلوا بنيران صواريخ حركة حماس.

وتقول روكاش في كتابها (إرهاب اسرائيل المُقدّس.. من مذكرات موشي شاريت) إنّ أمن إسرائيل يبقى ذريعة رسمية للدولة العبرية والولايات المتّحدة لإنكار "حقّ الشّعب الفلسطيني في تقرير مصيره في وطنه... تمّ قبول تلك الذّريعة كتفسير شرعي لإنتهاك إسرائيل للقرارات الدّولية التي تدعو الى عودة الشّعب الفلسطيني الى وطنه" وأنّ من تصفهم بالقتلة الإسرائيليين يمارسون "منهج طرد وابادة" ولا يتردّدون في التّضحية بأرواح يهودية لضمان وجود درجة من الاستفزاز تبرر العمليات الانتقامية التالية.

وصدر الكتاب في القاهرة عن مكتبة الشّروق الدّولية في 143 صفحة كبيرة القطع وترجمته الى العربية ليلى حافظ وقال المفكّر الأمريكي ناعوم تشومسكي في مقدّمته أنّ بين إسرائيل والولايات المتّحدة "علاقة خاصة... يمكن أن نقيسها بتدفّق رأس المال والأسلحة أو بالدّعم الدبلوماسي أو بالعمليات المشتركة" حيث تتحرك إسرائيل للدّفاع عن المصالح الأمريكية في الشرق الاوسط. بحسب رويترز.

وأضاف تشومسكي اليهودي المعارض لسياسة كلّ من أمريكا وإسرائيل أن مذكّرات شاريت الذي يعتبره معتدلا "تعتبر بما لا يدعو للشّك مصدرا وثائقيا أساسيا" وأنها تبقى خارج التاريخ الرّسمي الإسرائيلي.

ولد شاريت عام 1894 في روسيا وهاجر مع عائلته الى فلسطين عام 1906 ودرس الإقتصاد في لندن وأصبح عام 1933 رئيسا للقسم السّياسي في الوكالة اليهودية وبعد إعلان قيام إسرائيل على عجل عام 1948 وإسراع القوى الكبرى للإعتراف بها تولّى وزارة الخارجية حتى عام 1956 حيث كان دافيد بن جوريون أول رئيس للوزراء ثم أصبح شاريت رئيسا للوزراء عامي 1954 و1955. ويومياته التي تبلغ 2400 صفحة تقع في ثمانية مجلّدات وتغطّي الفترة من 1953 حتّى نوفمبر تشرين الثاني 1956.

وتقول روكاش أن عائلة شاريت تعرّضت "لضغوط هائلة" لمنع نشر يومياته حيث كان بين "الزعيمين الصهيونيين" شاريت وبن جوريون صراع أدّى إلى "طرد" الأول من الحكومة عام 1956 نظرا لمعارضته "أعمال التحرّش المستمرّة" من جانب إسرائيل بجيرانها لدفعهم إلى مواجهة عسكرية كان قادة الدولة العبرية "على يقين بأنّهم سينتصرون فيها... إعتبر تصفية وجوده  (شاريت) المعارض مسألة ضرورية من أجل تحقيق مخطّط الزّعامة الإسرائيلية السياسية والعسكرية الإجرامية والمصابة بجنون العظمة."

ويقول شاريت في أكتوبر تشرين الاول 1953 أنّ قادة إسرائيل كان لديهم إستعدادا لإحتلال سيناء لكنّهم أُصيبوا بخيبة أمل لأنّ المصريين لم يسهّلوا مُهمّة الاحتلال "من خلال تحدّ مستفزّ" وأنّهم حين يرتكبون "مجزرة بشعة" يسعون لإختراع عملية مثيرة تالية لصرف إنتباه العالم عن العملية الأولى.

ويسجّل في فبراير شباط 1954 أن بن جوريون إتّهمه بعدم الجرأة لإعتراضه على دفع الموارنة في لبنان "إلى إعلان قيام دولة مسيحية في لبنان... لبنان أضعف حلقة في جامعة الدّول العربية... مصر هي أكثر الدّول العربية إحكاما وصلابة" على حد وصف بن جوريون لشاريت في خطاب أرسله اليه.

لكنّ شاريت الذي يوصف بالمعتدل ردّ على بن جوريون معتبرا إعلان دولة مسيحية في لبنان "في الظّروف الحالية... ستعتبر مضاربة غير محسوبة... لصالح مميّزات تكتيكية مؤقّتة لإسرائيل" لكنّه لم يرفض المبدأ إلاّ لأنّه في تلك الظّروف "مغامرة مجنونة" سوف تسبّب "لنا" خسارة. وتعلِّق روكاش قائلة ان لإسرائيل طموحا قديما "لتقسيم لبنان وفصله عن العالم العربي."

ويقول شاريت إنّ إسرائيل تهدف دائما الى "تفجير حرب" ضمانا لتصعيد التوتر وان العمليات "الإنتقامية" التي تقول المؤلفة أنّها تعني حاليا "الإرهابية" تكتسب في الجيش الإسرائيلي قيمة معنوية تصل إلى " مستوى المبدأ المقدّس" وخاصّة في فرقة كان يتولاّها في الخمسينيات أرييل شارون رئيس الوزراء السابق.

ويضيف أن فرقة شارون أصبحت أداة إنتقام في يد الدّولة وأنه بعد مذبحة كفر قاسم التي أودت بحياة 48 مدنيا عربيا عام 1956 بينهم أكثر من 20 طفلا وإمرأة توصّل المسؤولون إلى نتيجة "أن الدّم العربي يمكن سفكه بحرّية".

ويسجّل شاريت أن "الحرب مع مصر ظلّت الطّموح الأكبر للمؤسّسة الأمنية الإسرائيلية" التي كانت مستعدّة لذلك في يناير كانون الثّاني 1954 وأن الرّئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر كان "يؤمن بالتّعايش ويعرف أن المفاوضات سوف تبدأ يوما ما " لكنّ الهجوم الإسرائيلي على غزّة عام 1955 أنهى أيّ تفاهم بين الطرفين.

ويعترف شاريت في مارس اذار 1955 بأهميّة أن تقبل إسرائيل حدودها 1948 "من أجل السّلام.. إحتلال قطاع غزّة لن يحلّ مشكلة أمنية حيث أنّ اللاّجئين (الفلسطينيين) سيظلّون يمثّلون المشكلة نفسها."

كما يسجل أن إسرائيل باختطافها طائرة مدنية سورية في ديسمبر كانون الأول 1954 قامت بقرصنة جوّية "غير مسبوقة في العالم كلّه.. في تاريخ الممارسات الدّولية... يبدو أنّهم إفترضوا أن دولة إسرائيل يمكنها أو يجب عليها أن تتصرّف في مملكة العلاقات الدّولية بناء على قوانين الغاب."

ويقول أنّ عودة بن جوريون لرئاسة الوّزراء في نهاية 1955 تزامنت مع رغبة أمريكا التي كانت "مهتمّة بإسقاط نظام عبد الناصر" فأعطت إسرائيل الضوء الأخضر للقيام بغزو مصر "لقد لعبوا بالنّار".

وتعلّق المؤلّفة على إشتراك إسرائيل في العدوان الثّلاثي البريطاني- الفرنسي- الإسرائيلي على مصر عام 1956 قائلة أنّ مشاركة إسرائيل في "الجريمة" أثبتت أنّها قادرة على خدمة سياسات القوى الغربية في المنطقة وإنّ "الصّهيونية التي قامت على أساس نزع الصّفة الفلسطينية عن فلسطين هي في جوهرها عنصرية وغير أخلاقية".

وتخلص إلى أن يوميات شاريت "مدمّرة للدّعاية الصّهيوينة... تفسّر لماذا لم يكن ممكنا أبدا ظهور صهيونية يمكن أن نصفها بأنّها معتدلة وكيف تنتهي دائما بالفشل... تشرّبت الدّولة بمبادئ الإرهاب المقدّس ضدّ المجتمعات العربية التي تحيط بها" بحيث لم يعد ممكنا تحرير الصّهيونية من الدّاخل.


وهذا فيديو محلّى يعرض قسما من الإرهاب الصّهيوني الذي تعرّض له قطاع غزّة خلال 22 يوما من العدوان.



2009/04/28

فارس عودة.

غزّة – منير أبو رزق 
على مائدة الإفطار جلس عيسى إبن الخامسة تاركا بينه وبين والدته مقعدا فارغا مزيّنا بإكليل من الورد تتوسّطه صورة الشّهيد فارس عودة إبن الرّابعة عشرة.
وكانت العائلة المكوّنة من ستّة أفراد تنتظر مدفع الإفطار وهي تمعن النظر باتجاه مقعد فارس.. كانوا جميعا يعتقدون أنّه جالس معهم على مائدة الإفطار بينما كان عيسى وهو أصغرهم يدرك عكس ذلك وإلاّ لكان ملأ الدنيا ضحكا وضجيجا بمداعبات فارس.
كانت أنغام عودة والدة فارس والملقّبة "بأمّ السعيد" تكابر أمام أولادها فتخبئ دمعا في عينين ذابلتين وألما في قلب كسير وتطلب من طفلها عيسى ترديد أغنية فارس المفضّلة التي طالما ردّداها معا.
" لو كسروا عظامي مش خايف.. لو هدّوا البيت مش خايف ".. كان عيسى يردّد أنشودة فارس بطلاقة لا تتناسب مع صغر سنّه وإن عجز لسانه بفعل الدّموع التي كادت تخنقه في إكمال الأنشودة حتى نهايتها.
تلك الأنشودة غناها فارس وهو يمارس هوايته المحبّبة في الدّبكة الشّعبية أمام طلبة المدرسة قبل إستشهاده بساعة واحدة ثم جسّدها بدمه عندما وقف تلك الوقفة التي أذهلت العالم على بعد أمتار معدودة من الدبّابة الإسرائيلية غير عابئ بحمم نيرانها .
كان فارس طفلا عاديا يحبّ السّبانغ ولحم الحبش يعشق الدّبكة الشعبية ودروس الرّياضة والدّين إلى أن إستشهد إبن خالته "شادي" برصاص الاحتلال على معبر المنطار.. فعندها تحوّلت حياته إلى حزن يلفّه حنين إلى لقاء من فقده.. تقول والدته: "قبل يوم من إستشهاده شاهدت صورته في التّلفزيون وهو يقفز أمام الدّبّابة وطلبت منه ألاّ يكرّر ذلك وإلاّ تعرّض لضرب والده وقطع مصروف المدرسة عنه .
ولأن فارس لا يستطيع بحكم تربيته الكذب على والدته فقد قال أن إبن خالته الشّهيد شادي أتاه في الحلم وطلب منه الإنتقام وهو نفس الحلم الذي أتى والدته في إحدى اللّيالي عندما خرج إليها الشّهيد شادي في المنام وطلب منها أن تسمح لفارس
بالذّهاب الى معبر المنطار.
وعن ذلك تقول أمّ السعيد: "لم أكن خرجت بعد من صدمة فقداني ابن أختي الشّهيد "شادي" ولذلك كنت أتوسّل له ألاّ يذهب إلى المنطار وأحيانا كثيرة كنت ألحق به إلى هناك وأعيده الى المنزل".
وصباح الخميس الموافق التّاسع من تشرين الثّاني أعيد فارس إلى والدته شهيدا برصاصة من نوع 500 قطعت معظم شرايينه وأوردة رقبته.
ففي ذلك الصّباح خرج فارس مبكّرا من منزله يحمل بيده مقلاعا بعد أن جهّز لنفسه إكليلا من الزّهور زينه بصورته وبعبارة خطّها بيده "الشّهيد البطل فارس عودة ".
يقول صديقة رامي بكر: كنت أنتظره ككلّ صباح للذّهاب إلى المدرسة فكان على غير عادته معطّرا يحمل إكليلا من الورد أخذه من بيت عزاء إبن خالته الشّهيد شادي وقال لي ساعدني لكي أعلّق الإكليل على باب المنزل .
في معبر المنطار يقول رامي أن فارس كان يتعمّد تحدّي الدّبّابة والإقتراب منها وأحيانا كان يقوم بممارسة هوايته في الدّبكة الشّعبية على بعد أمتار قليلة منها. وعندما سألناه لماذا يفعل ذلك كان يجيب بأغنية "لو كسروا عظامي مش خايف ولو هدّوا البيت مش خايف ".
ترجّل الفارس بعد أن سجّل للتاريخ صورة طفل تحدّى بعظامه ولحمه الطري دبّابة.. ترجّل الفارس ولا تزال الصورة تنطلق بأشياء وأشياء.. دم وعظام تقفز من أسرّتها ومن بين ألعابها لتقاوم دبّابة.. ترجّل فارس وظلّ عيسى يردّد من بعده بجانب مقعده الفارغ على مائدة رمضان "لو كسروا عظامي مش خايف.. ولو هدّوا البيت مش خايف ".
http://www.muenster.de/~kheite/odeh/odeh01.htm 

وهذه خاطرة شعرية كتبتها أيّام الإنتفاضة للشّعب الفلسطيني وكنت آنذاك ألاحظ ذلك الصّبي في نشرات الأخبار يحمل حافضة كتبه.. والحجارة ليرجم بما تيسّر له منها محتلّ أرضه المقدّسة.. .


أنقر على الصّورة للتكبير

2009/04/27

تصاميم لغزّة.

أيّام الهجوم الإجرامي على غزّة الصامدة قمت بعمل تصاميم تضامنية ونشرتها في منتديات على النت.


أهل غزّة صمدوا رغم شراسة الهجمة الصهيونية جوا وبحرا وبرّا ورغم الخسائر الكبيرة في الأنفس والمباني والمنشئات ورغم شحّة المواد اللاّزمة للحياة.


كانت أغلب المواقف الحكومية العربية متوازية مع الآراء الصهيونية ومساعدة للعدوّ المجرم في تقتيل شرفاء غزّة بجميع الوسائل فقد أستحكم الحصار من طرف العدوّ والنظام المصري لمنع وصول المواد الأساسية والسّلاح والسّماح لإسعاف الجرحى خارج القطاع بينما إلتزمت دول عربية أخرى الصّمت الكافر أو نقد المقاومة وتحميلها مسؤولية ما يحدث.


هكذا تكلّم الغزّاويون من أهل فلسطين الغالية.. هكذا خاطبوا الطّائرات الصهيونية والحكّام العرب وصنعوا ملحمة الفخر والعزّة.


سواء كان إسمه أولمرت أو عبّاس أو مبارك فالشّخص واحد والأفكار واحدة والغاية واحدة..  والمصير واحد.

2009/04/24

فلسطين

فلسطين..
جرح غائر عمره أكثر من 60 سنة عشناها بين الوعود والشّعارات والإستغلال من أجل يوم موعود تتحرّر فيه هذه الأرض العزيزة على كلّ مسلم وكلّ عربي فقد أكرمها الله بولادة ومرور رسل وأنبياء على أرضها المباركة وما حولها وزادها تقديسا بإسراء الرّسول الكريم إليها ومعراجه منها عليه وعلى آله الصّلاة و السّلام.
وشاء الله سبحانه وتعالى أن تبقى هذه الأرض ليومنا هذا تحت هيمنة مجموعة من شذّاذ الآفاق شيمتهم العنصرية والإجرام والخبث ليس لمكرهم حدود وقد تمكّنوا من ترويض من كان مفروضا عليهم محاربتهم حتّى التّحرير وجعلوهم سيفا علينا وساعدا لتثبيط إرادتنا وقمع مقاومينا وبلبلة الرأي لدينا.
وشاء الله بلطفه أن يسكن الأرض المحتلّة شعبا مؤمنِا وصابرا ومقاوما وصامدا حيال الهجمات المتوالية من جميع الإتّجاهات لتركيعه وكسر شوكته وتغيير هويّته لتصفية قضيّته. شعبا لم يتغيّر على مدى سنوات الظلم والقهر والتّقتيل وسيبقى بإرادة الله شوكة في أعين الغزاة والمستسلمين والخونة.
وعد الله المؤمنين بالنّصر ووعد الله لن يستطيع أحد الوقوف حياله وسيتحقّق عاجلا أم آجلا لتعلوا راية الحقّ على أرض النّبوات.
وهذه خريطة صمّمتها بتصرّف لفلسطين التّاريخية